dimanche 14 avril 2013

رحيل مدرب فريق جبهة التحرير الوطني لكرة القدم عبد الحميد كرمالي

في ذكرى القرار الجماعي للاعبين من فرنسا بتأسيس فريق جبهة التحرير الوطني
رحيل شيخ المدربين الجزائريين عبد الحميد كرمالي


Enlarge font Decrease font
انتقل إلى رحمة الله شيخ المدربين الجزائريين عبد الحميد كرمالي، صبيحة أمس، بمنزله الكائن بحي بومرشي بسطيف، عن عمر يناهز 28 سنة، بعد معاناة طويلةٍّ مع مرض ''الزهايمر''، لتفقد بذلك الكرة الجزائرية، والأسرة الثورية أحد أبرز الوجوه التاريخية والرياضية التي منحت الكثير للوطن
وللساحة الرياضية بصفة خاصة.
 يكفي فخرا الشيخ، رحمه الله، أنه صاحب أول وآخر تتويج للجزائر، بكأس أمم إفريقيا عام .1990 وللصدفة تزامن حدث مفارقة كرمالي الحياة، ذكرى 13 أفريل، حين غادر اللاعبون الجزائريون  مختلف البطولات الأوروبية في العهد الاستعماري للالتحاق بصفوف فريق جبهة التحرير الوطني.
ومهما حاولنا الحديث عن الشيخ ومسيرته الثورية والرياضية، لا يمكننا اختزالها لا في صفحة ولا في عشر صفحات ولا أكثر، نظرا لأهمية كل لحظة من لحظات حياته، وكثرة إنجازاته وتألقه كلاعب ومدرب ومجاهد.. كما أن مسيرته الرياضية الثرية لم تخل من المواقف الطريفة والحزينة على السواء.
''لاياص'' منحه الفرصة الأولى
ولد الشيخ عبد الحميد كرمالي بمدينة أقبو في السابع والعشرين من شهر أفريل 1931، وكان والده يعمل عسكريا ضمن الجيش الفرنسي، حينما رزق بعبد الحميد الولد البكر لأبيه ثم رزق بعده بولدين وبنت، ومازال شقيقا عبد الحميد يعيشان إلى اليوم في حين توفيت الأخت قبل سنوات خلت. وتنحدر عائلة كرمالي من قرية أولاد علي بن ناصر ببلدية بني فودة القريبة من مدينة العلمة.. وكان الشيخ مولعا بكرة القدم، حيث كان يلعب الكرة لساعات طويلة بوسط مدينة سطيف وبمحاذاة ثانوية قيرواني (ألبيرتيني سابقا)، وكان الشيخ علي بن عودة المدعو (لاياص) يأتي دوما إلى ذلك المكان من أجل اختيار البراعم الشابة لتدعيم فريق اتحاد سطيف، لكونه آنذاك الفريق العربي الوحيد، وقد شاهده، حسب تصريحات الشيخ، قبل وفاته، يلعب، فأمره بعد نهاية المباراة بأن يتبعه إلى مقر النادي، أين منحه بذلة رياضية، وطلب منه الحضور لتدريبات الفريق في اليوم الموالي ضمن تشكيلة الأصاغر.. ومن ثمة بدأت مسيرة الشيخ كرمالي الكروية الرسمية، إذ لعب لموسمين كاملين، ثم ترقى إلى صنف الأشبال ولعب موسما واحدا، قبل أن يفاجأ خلال موسمه الثاني باستدعائه لمباراة فريق الأكابر، وكانت القائمة تعلق بمقهى الفريق (الساركل).
وقد اندهش المرحوم آنذاك كثيرا لما وجد نفسه ضمن قائمة تضم لاعبين كبارا أمثال عريبي، جيليلي، بوخريصة، زراري وغيرهم، هذا الأخير كان دوما يشجع المرحوم ويقول له ''العب ولا تخف فأنا وراءك''.
وسطع نجم كرمالي بسرعة من خلال مشاركته في مباراة اتحاد سطيف ونجم قسنطينة لحساب كأس الجزائر، وكان لا يزال في السنة الأولى لصنف الأواسط، وهناك شاهده أحد المدربين الفرنسيين ونصحه بضرورة التوجه إلى فرنسا لخوض تجربة احترافية، غير أن والده، رحمه الله، كان آنذاك شديدا معه ولا يؤمن بغير الدراسة، ويرفض فكرة الاحتراف جملة وتفصيلا.
وفاة الوالد وحاجة العائلة وراء الرحلة نحو فرنسا
بعد وفاة والده، وبقاء العائلة من دون مصدر رزق ثابت، خاصة أن منحة أبيه لم تكن تصل العائلة، ورغم أن أعمامه كانوا يحاولون دوما إعانته، إلا أن الوضع لم يعد على ما كان عليه أيام الوالد، وبالتالي قرر التنقل إلى فرنسا، وقد سبقه لهذا العالم أحد الأصدقاء المدعو بوذراع، فتوجه إليه مباشرة بمدينة ميلوز الفرنسية، حيث استقبله بحفاوة كبيرة، وكان يعمل بمصنع للأسلحة، وقد وعده بأن يجد له منصب عمل معه، رغم أن الفرنسيين كانوا يتحاشون توظيف العرب في مثل هذه المصانع، ومع ذلك فقد نجح في مهمته وأقنع المسؤول عن العمال بتوظيفه، غير أنه لم يكن ملتزما بأوقات العمل، وكان شغوفا بلعب كرة القدم فكان يتأخر في كل مرة عن الالتحاق بعمله، وهو ما جعل المسؤول عن العمال يطرده وقال له ''أنت لا تصلح للعمل، اذهب للعب كرة القدم''.
وقد كان مسيرو فريق ميلوز يتابعونه عن قرب، حيث تقدم إليه أحد المناجرة اليهود المدعو (ليفي) وقال له بالحرف الواحد، حسب تصريحات الشيخ قبل وفاته، ''أنا سأبيعك''، فرد عليه ''كيف تبيعني وأنا إنسان حر''، فشرح له المسألة وأخذه إلى مسؤولي فريق ميلوز، وكان فريقا هاويا، ولعب ذات مرة كأس فرنسا ضد فريق ''كان'' المحترف وذلك بمدينة ''سات'' التي كان يلعب لفريقها المرحوم مختار عريبي.. وبعد نهاية المباراة أخبره عريبي آنذاك أن مسؤولي فريق ''كان'' اقتنعوا بإمكاناته وطلبوا الاستفادة من خدماته.. وفعلا وقع لهذا الفريق وأصبح لاعبا محترفا بأتم معنى الكلمة، حيث منحه فريق ''كان'' سيارة وشقة.. وفي هذا الفريق التقى كرمالي باللاعب الكبير مصطفى زيتوني الذي أمضى في نفس الموسم معه، قبل أن يتنقل إلى موناكو، في حين وقع بعدها كرمالي عقدا احترافيا آخر مع فريق ليون العريق..
وأرادت جبهة التحرير الوطني أن تشكل منتخبا يمثل الجمهورية الجزائرية بحكومتها المؤقتة، وكانت الفكرة أن يتم اختيار عشرة لاعبين جزائريين هم الأحسن على مستوى البطولة الفرنسية.. وكان هناك أربعة لاعبين من ولاية سطيف وهم عريبي مختار، مخلوفي رشيد، رواي عمار وكرمالي.. إلى جانب اللاعب الكبير مصطفى زيتوني، الحارس بوبكر، بخلوفي وغيرهم، وقد اتصل بهم مختار عريبي رفقة بومزرق، وشرحوا لهم الوضع جيدا، ليقرروا بعدها الفرار من فرقهم على أن يدخل خمسة لاعبين من الحدود الفرنسية السويسرية، والخمسة الآخرون عبر الحدود الفرنسية الإيطالية. ومن هنا بدأت رحلة الفقيد مع فريق جبهة التحرير الوطني.
العودة إلى الوطن بعد الاستقلال رغم إغراءات ليون 
وبعد الاستقلال عاد كرمالي إلى فريقه الأول اتحاد سطيف، رغم إغراءات فريق ليون الذي راسل حتى الفيفا من أجل استعادة خدماته، غير أن إدارة اتحاد سطيف قامت بالواجب وأقنعت النادي الفرنسي بضرورة تسريحه.
ومن بين المباريات الكبيرة التي لعبها المرحوم مع الاتحاد، ضد الجار الوفاق، حيث كان بمثابة الشبح الأسود للفريق الجار. وحاول الوفاق خطفه من الاتحاد، ووقعت مشاكل كثيرة بسببه، حتى عندما تحول إلى التدريب، كان كل فريق يتمسك بخدماته. وقد أنهى آخر موسم له كلاعب مع الوفاق خلال موسم 66/67 حينما تحصل على كأس الجمهورية.. وبعدها تفرغ للتدريب وكانت أغلب مواسمه مع الوفاق، حيث كان يتعاقب على العارضة الفنية مع المرحوم عريبي، كما درب فرق شباب قسنطينة، اتحاد الشاوية، ترجي مستغانم، اتحاد عنابة، مولودية الجزائر، والفريق الوطني للأواسط والأكابر، كما خاض تجارب بكل من تونس ودولة الإمارات العربية وقد كانت مسيرته حافلة بالألقاب والتتويجات.


 تمكن الشيخ كرمالي خلال مسيرته من الفوز مع المنتخب الوطني للأواسط بالبطولة الإفريقية والكأس الأفروآسوية، وكان ذلك التتويج الأول والأخير للجزائر.  ونفس الشيء مع منتخب الأكابر، حيث فاز ''الخضر'' في عهده بكأس أمم إفريقيا الوحيدة للجزائر عام 1990. ولأول مرة يفوز منتخب في عهده بكل شيء، أحسن دفاع، أحسن هجوم، أحسن هداف وأحسن لاعب.  وبقيت هذه الذكرى راسخة في ذهن كرمالي رحمه الله، حيث قال قبل وفاته لـ''الخبر'': ''قبل بداية أول مباراة ضد نيجيريا كنت خائفا جدا من رد فعل أنصار المولودية، بما أنني تركت فريقهم وأشرفت على المنتخب الوطني، فلما كنت أهم بالدخول إلى أرضية الميدان قلت لحارس المتاع وهو الوحيد الذي بقي إلى جانبي بعد أن فضل مساعداي الابتعاد عني خوفا من السب والشتم، ''أعلم جيدا أننا لو دخلنا وصاح جمهور المولودية بحياتي وحياة اللاعبين، فسوف نحصل على هذه الكأس، وإذا حدث العكس فسوف نخسر المباراة، وسوف أستقيل بعدها مباشرة''، وفعلا لما شاهدني جمهور المولودية، نهض الجميع وصاحوا كرمالي.. كرمالي، فألتفت إلى حارس المتاع وقلت له مبروك علينا الكأس.  

 تتويجات فريدة من نوعها مع المنتخبات الوطنية

شهادات رفاق درب المرحوم

عبد الحميد زوبا
''الابتسامة لم تكن تفارقأبدا الشيخ''
 قال عبد الحميد زوبا، عن المرحوم عبد الحميد كرمالي، الذي كان أحد رفقائه في منتخب جبهة التحرير الوطني، أن الفقيد لم يكن يتردد أبدا في تلبية النداء الوطني للالتحاق بالفريق، وأضاف زوبا، أن كرمالي كان نموذجا في التدريب، ولا أحد كان يمكن له أن ينتقده، لأن كرمالي لم يكن مدربا فقط وإنما أبا للجميع، ما يسمح له أن يقول عنه أنه يعد رمزا من رموز الكرة الجزائرية. وقال زوبا إن الجزائر خسرت رجلا كبيرا ليس فقط في كرة القدم، وإنما أيضا في أخلاق الرجل ومبادئه، وكان رجلا بشوشا لا يعرف الغضب، وبرحيله، فإن الجزائر كلها يجب أن تقف حزينة لرحيل الرجل، الذي أهدى الجزائر أول وآخر كأس إفريقية بالجزائر عام 1990. وقال عن الفقيد، إنه اشتغل معه مساعدا في الفريق الوطني، وكانت الابتسامة لا تفارقه حتى في الأوقات الحرجة.

رشيد مخلوفي
''أحذر من الإساءة لمنتخب جبهة التحرير الوطني''
 قال رشيد مخلوفي إنه يريد أن يحذر من الجهات التي تريد الإساءة إلى فريق جبهة التحرير الوطني، بمناسبة رحيل رفيقه عبد الحميد كرمالي، وذكر مخلوفي أنه ذهب لزيارة كرمالي بمستشفى عين النعجة، قبل أسابيع رفقة زميل لهما، وتمكن من زيارة المرحوم والتحدث إليه، برغم أن كرمالي لم يكن يرد عليه لأنه فقد القدرة على الكلام، على حد وصفه، ولاحظ عليه ابتسامة أكثر من مرة، عندما كان يذكره بالمحطات التي عاشوها سويا في منتخب جبهة التحرير الوطني، وفي المرة الثانية، التي زاره فيها مخلوفي، قبل أيام، قال هذا الأخير إن الأطباء قالوا له إن حالته الصحية ساءت كثيرا، برغم أن الطاقم الطبي لم يدخر أي جهد لإسعافه، إلى أن وصله نبأ نقل المرحوم إلى مستشفى سطيف للعلاج ثم نبأ وفاته. وقال مخلوفي إن كرمالي كان حقا شيخ الشيوخ، وهو الوحيد الذي أهدى الجزائر كأس إفريقيا، مضيفا أن الأقدار شاءت أن يتزامن تاريخ وفاته مع تاريخ الفرار الجماعي للاعبين من فرنسا خلال الثورة التحريرية. وأوضح أن كرمالي كان شغوفا بكرة القدم، ودرب في مشواره العديد من الأندية ونال معها عدة ألقاب وكؤوس، مضيفا أنه من الصعب نسيان رجل مثل كرمالي.

سعيد عمارة 
كرمالي من أعز أصدقائي
 عبّر زميل المرحوم سعيد عمارة عن عميق حزنه لهذا المصاب الجلل في صديقه كرمالي، مقدما العزاء لعائلة الفقيد، ذاكرا أن اللاعب كان من ضمن أعز أصدقائه، وكان رجلا صنع أمجاد الكرة الجزائرية مع الفريق الوطني الذي تحصل معه على أول كأس إفريقية.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire